الخميس، 9 أكتوبر 2014

مَنسية.

مرحبًا من جديد .. لن ألقى على كاهلك بالمعاذير السخيفة الفارغة .. لم أعد متأكدة حتى إن كنت مهمة بالنسبة إليك بعد الآن أم لا .. أما زلت تنتظر أحاديثى بشغف أى مجهول ؟؟ ..
أوه لقد نسيت ..فلا شغف لديك من الأصل .. أنت غير مادى ،ألست كذلك ؟؟
طيب ..دعنا نتعارف من جديد .. أنا لا اسم لى .. فى هذه الفترة على الأقل .. أحيانًا تدعونى سلمى بـ"Rue" .. كتلك الفتاة فى فيلم "The hunger games" .. الصغيرة اللطيفة روو .. أنا لست منها شيئًا .. لست كـروو ولن أكون .. حسبى منها اسمها ..اسمها فقط.
 بالمناسبة .. حدثتنى سلسبيل بالأمس..كانت مكالمة طويلة ..لكن هذا ليس موضوعنا هنا على أية حال.

ونعم ، عدت للحديث مع سلمى -أو "سال" كما صرت أدعوها- ..تغيرت الأمور ..لكنها لم تتغير .. مازالت أحاديثنا هى هى ،كما كانت فى الأيام الخوالى .. يعنى ... تغير طابع أحاديثنا نوعًا ما .. لكن ... وات إيفر..
لكن أوتدرى ما كان السبب -الغير معترف به- لعودتى للحديث معها من جديد .. لقد كانت زينب ..
حين ماتت زينب .. حادثتنى سلمى بعد العزاء مباشرة ..كانت بحاجة للحديث مع أحدهم عما رأته هناك فى ذلك المنزل فى الطالبية -منزل زينب- .. ولم تجد خيرًا منى للحديث .. لست محدثة عظيمة لكن سال ترى فىّ ما لا أراه فى نفسى ..

أما عن زينب ..المسكينة ماتت بسرطان فى المبيض .. لم تملك أصدقاء يومًا .. كانت من الـ"Lonely people" الذين تحدث عنهم "جون لينون" فى أغنيته ..تجول وحدها فى طرقات المدرسة كالشبح .. أحيانًا تتسكع مع هذه المجموعة أو تلك .. لكنهم يقبلونها كما يقبلون وجود الأكسجين حولهم .. هل تتحدث مع الأكسجين ؟؟ .. هل تداعب أو تلعب مع الأكسجين ؟؟ .. لا أظن ذلك ..
وحين ماتت بذلك الورم الذى تضخم لدرجة الخروج من جرح عظيم فى بطنها لم يندمل أبدًا ..ولن يفعل ..
تغيرت الأمور .. استطاعت الفتاة التى لم يعبأ بها أحد فى حياتها أن تجمع بين فتيات دُفعة دراسية كاملة ..فتيات لا تجمعهن أى صفات إلا أنهن فتيات ..
أعنى .. لا أدرى ..
لم أبك فى عزائها .. حين ذهبت فى ذاك الصباح -صباح الثلاثاء على ما أذكر- إلى منزلها مع مى وسلمى -سلمى محمود لا "سال"- .. كان الجميع فى منزلها يعيش يومًا طبيعيًا من أيام الحياة ..لم يكن هناك بكاء أو صراخ ..
 قبلت أمها وجدتها وخالتها .. كانت تشبه أمها كثيرًا..كانت نحيفة مثل أمها أيضًا ..
أمها من ذلك النوع من النساء اللاتى يقبلنك أربع مرات ..مرتان على هذا الخَد ..وأخريتان على الآخر ..
 جلسنا ..ثم أخذت الأم تحكى عن ابنتها قبل موتها .. كان الأمر مؤلمًا جدًا ..مؤلمًا بحق .. وأقسم لك عزيزى ..أقسم أننى حاولت ذرف الدموع ..حاولت جاهدةً ..لكن..  لا شىء !
نظرت إلى سلمى .. ثم إلى مى .. إنهما تبكيان .. تكاد عيونهما تخرج من المحاجر من كثرة البكاء ..دموعهما تتساقط واحدة تلو الأخرى على ملابسهما ..وأنا أجلس جافة الملابس والعينين!
نظرت إلى الأرض وأخفيت عينىّ الجافتين بيدى اليمنى .. شعرت أننى باردة و...بيتش !!
تظاهرت بمسح دموع غير موجودة بالمناديل .. أمسكت المنديل وأخذت أمسح به على عينىّ ..وكأن الدموع كانت موجودة وأنا قد مسحتها وأزلت أثرها..
الأمر مخيف.. أنا لا أبكى يا مجهول من تلك الأمور التى يبكى عليها جنسى البشرى .. لطالما كنت باردة المشاعر ..لكن ألهذه الدرجة ؟ ..
أرى أمًا فقدت ابنتها للتو بالسرطان ..أجلس معها وأسمعها تسرد لنا وقائع مرضها ووفاتها ..فلا تنزل لى دمعة واحدة !!
تحسست الجانب الأيسر من قفصى الصدرى .. ها هو ذا يدق .. أشعر به .. إنه موجود هناك بالداخل .. لكنه بارد كأصقاع روسيا !!