الأحد، 22 مارس 2015

رأس المسجل..

ولا زلت أستكشف عوالم Radiohead  المذهلة .. ذلك الخليط بين العبقرية والجنون الذى لاطالما أبهرنى .. وسرنى أن أعثر عليه بعد أن فقدت كل الأمل فى أن أجده فى هذا العصر على الأقل..فمنذ "ستيفين هوكينج" ولم أعد أنبهر بسهولة .. وكف رادار البحث عن "مزيج العبقرية والمرض والجنون" عن العمل..حتى كانت Radiohead..أعنى ..أى عقل مريض هذا الذى يصنع هذه الموسيقى ؟ .. أى عقل مريض هذا الذى يكتب هذه الكلمات؟ ..يرسم هذه الرموز؟!
فى البدء كنت أعانى بعض الصعوبات فى التقاط أفكارهم .. أو فهم ما يعنيه الأمر برمته .. فأنا-يا صديقى- اعتدت الموسيقى ولم أعتد الكلمات .. فمنذ وعيت على الموسيقى وأنا أستمع للكلاسيكيات وموسيقى روك القرن الماضى .. والتى تفتقر بشكل واضح إلى العمق من ناحية الكلمات .. لكنها آية فى الحسن من الناحية الموسيقية..
قد بدأ الأمر بأغنية "Just" .. الرجل الذى يجول فى الشوارع هائمًا على وجهه ..وبدون سابق إنذار يثنى ركبتيه ويستلقى على أسفلت الطريق.. فى وضعية إن رأيتها بمنظور عين الطائر لبدت كوضعية كلب نائم على الرصيف..يتعثر فيه المارة .. يظنون بعقله الظنون.. يستدعون الشرطى.. يأتى عازمًا جره جرًا إلى المصحة .. يسأله عن السبب الذى دفعه إلى الاستلقاء على أسمنت الطريق منافيًا لكل قوانين البشر.. إنه لا يخرق القانون العام .. لكنه يثير فضولًا لا متناهيًا فى نفوس القوم .. تُرى لم يستلقى هذا المجنون على أسفلت الطريق بهذا الشكل.. شاخصًا ببصره نحو السماء.. 
يحترقون فضولًا .. شمعة صبرهم تذوب..الرجل يحذرهم مما سيعرفونه ..يحذرهم من أن ما هو على وشك البوح أمر فظيع يفوق أرواح الفانين من البشر..يحذرهم من أن روحه قد احترقت من المعرفة..وأن المعرفة لا تؤدى سوى لاحتراق الروح.. وأن الله يعلم أنه لم يرد البوح بعدما عرف ما عرف.. 
يميل عليه الشرطى ليلتقط السر الأعظم من بين شفتيه.. يهمس الرجل بشىء ما فى أذن الشرطى.. تختفى الـSubtitles التى تعرض ما يقوله الناس ..لقد تم الأمر..إنه يعرفون ما يعرف الآن.. موسيقى الجيتار الكهربى تعلو..ويظهر مشهد من أعلى بمنظور عين الطائر ..يُظهر أسفلت الطريق وقد استلقت عليه أجساد القوم جميعًا حتى صاروا بمثابة لحاف بشرى كبير يغطى الطريق بأكمله .. جميعهم ينظرون للسماء مستسلمين لذلك الشىء..أى شىء؟؟ .. لن نعرف أبدًا..
راديوهيد يلعبون على وتر السر الأعظم للوجود .. وتر إيكاروس الذى احترق جناحيه الشمعيين حين اقترب من الشمس أكثر من اللازم ،وهوى من عل ليموت ..
أراهن أن الفرقة نفسها لا تدرى شيئًا عن ذلك الذى همس به الرجل للشرطى.. لكنه ذلك الفضول الساحر الذى يثيرونه فى نفوسنا..الجو المقبض القوطى للأغنية ..وحقيقة أن هناك عالمًا أكبر منا فى مكان ما .. أننا صغار منكمشون بشكل مبالغ فيه..
..
هناك أيضًا أغنية "The pyramid" والتى أفضل وصفها فى بعض الأحيان بـالأغنية المثالية للموت.. ربما إن تبقى لى بعضًا من العقل وأنا أحتضر لطلبت منهم أن يسمعونى إياها..
يقول توم يورك-المغنى الرئيسى بالفرقة- أن كتابة كلمات الأغنية لم تستغرق منه العشر دقائق.. ويفسر ذلك قائلًا أن الفكرة جاءته فحاول اقتناصها قبل أن تقفز مبتعدة عن مجال عقله كعادة الأفكار جميعًا..
كذلك أغنية "There There" التى لا أملها أبدًا..والجملة الأساسية بهذه الأغنية : "ليس معنى إنك تشعر به بالضرورة أنه موجود" ..على عكس المعتقد العام الذى يقتضى بأنه "ليس معنى أنك لا تشعر به بالضرورة أنه غير موجود" ..
أما عن موسيقى الجيتار فى "My iron lung" فلا أظننى سأتحدث عنها ها هنا .. لا أظننى وصلت لمنزلة روحية تمكننى من الكتابة عن موسيقى radiohead..أو عزف موسيقى Leizt.. أو القراءة لدوستويفيسكى ..أو العزف على بيانو خشبى قديم فى قبو مسكون بمنزل مهجور..
مما يذكرنى ..أن الحب الحق ينتظر فى الأقبية المسكونة ..وأن الحب الحق يعيش على اللولى بوبس والكريسبس..