الجمعة، 2 فبراير 2018

تبدو وسيمًا وأنت تفتش بلا جدوى.

أهلًا صديقى القديم، هل تدرك كَم التغيير الذى أصابنى على مر ثلاث سنوات؟، ثلاث سنوات فقط تصنع كل هذا..وهذه جملة خبرية وليست سؤالًا..أوه صدقنى أنا أعرف أفضل..
أعرف إنك ستفزع كثيرًا مما صرت عليه، ستصك وجهك الخيالى بذراعيك الخياليتين، ففى النهاية أنا التى صنعتك، أعنى "أنا" منذ سنوات..وهذا شخص مختلف وقصىّ عنى الآن..
ما كان مفروغًا منه يومًا، صار مجرد احتمال آخر يأخذ مكانه فى طابور طويل بحجم مجرات وسط بلايين الاحتمالات الأخرى..
أنت تعرفنى، لطالما كنت دومًا شخصًا مسالمًا هادئًا، أكبح أفكارى تحت ركام كثيف من التابوهات، أخشى أن أكسر المرآة وتصيبنى لعنة سوء الحظ لسبع سنوات..
أهدافى كانت واضحة مثل الثقوب على سطح القمر، علىّ أن أقرأ أكثر حتى أكتب بشكل أفضل..المعادلة بسيطة، الطاقة الداخلة إلى النظام تساوى تلك المغادرة له..ويومًا ما سأنشر روايتى الخاصة وسأوزع نسخًا منها على زملاء المدرسة المتوسطة وأتباهى بها، لقد نشرت كتابًا فى عامى الخامس عشر هاهاها انظروا إلى هذا..كم أن هذا رائع وغير عادى..انظروا إلى مصطلحاتى اللغوية الملتفة التى تسبق سنى بسنوات، كم أننى رائعة..

لكننى حطمت المرآة، وتحطم معها سلام عالمى الذى آممم، لن أنكر يومًا أنه كان جميلًا للغاية..
لكن للحق نقول، كانت المرآة مجرد مرآة..ما خلف المرآة كان أضخم بكثير من حائط غرفتى والسرير والمكتب..تلك الانعكاسات الساذجة لغرفتى وصورتى عليها، كنت طيلة الوقت أجلس فى كهف أفلاطون، مقيدة للحائط بأصفاد صنعوها وساعدتهم أنا، صببت معهم النحاس ودققت معهم الفولاذ، ومددت لهم ذراعىّ مستسلمة لأقدارهم، أقضى سنوات أرى فيها الظلال على حائط الكهف ولا أدرى لها كنهًا..
لم أصب بلعنة سوء الحظ لسبع سنوات بعد كسر المرآة..أتدرى لِمَ؟..أوه لا لا تتهمنى أنا بسوء التدبير وقلة الإهتمام..فقد ذهبت بنفسى لمصلحة اللعنات، وجهزت خطابًا كاملًا أعلن فيه عن سخطى من سوء الخدمة، أؤنب هذا وأحاسب هذا وأغرس مرفقى فى معدة هذا، ووقفت فى طابور طويل فقط حتى أستفسر عن سبب عدم اصابتى باللعنة، هذا إهمال وسوء تقدير لا يليقا بمصلحة محترمة وكيان كهذا..
وقبل أن أدرك حتى، كنت فى مقدمة الطابور..وحدى، أنظر يمنة ويسرة فى غباء..أين ذهب الناس؟، هل مرّ طائر الرخ من هنا والتهم الجميع؟، وتركنى أنا لأن يومًا ما سيكون لى شأنًا عظيمًا على الأرض؟

هأنذا، أقف فى مقدمة الطابور الذى لم يكن موجودًا يومًا..فى المصلحة التى لم تكن موجودة أبدًا..
وسرعان ما عرفت الإجابة وحدى..لم أصب بلعنة سوء الحظ لسبع سنوات عزيزى،ببساطة لأنهم لم يجدوا مَن يلعننى بها.

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم.

تهبط على أدراج البناية المتهالكة درجتين درجتين، أقدامها تحولت إلى إطارات سيارة من لحم وعظم تتدحرج على الأدراج من فرط السرعة..تشهد عيناها أثناء نزولها على لوحات الحب الساذجه التى ملأت حوائط البناية ، والتى صنعتها موانا حبيبة أوجستين ،والتى تسكن معهما فى نفس البناية، قلوب زرقاء ساذجه ملونة بألوان الباستييل يخترقها سهم..رُسمت على فرخ أبيض،وموزعة هنا هناك بجانب وأمام كل شقة فى البناية..
أنهت دحرجتها على الدرج عند الدرجة الأخيرة، خرجت للشارع وقد بدأت تعدو كالمجاذيب
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، لقد رأيت ، لقد سمعت ، بأم أذنىّ"!
هكذا صرخت وأعلنت، كأنها حقيقة لا جدال فيها، كأنها خطاب من رئيس البلدية يخبرهم فيه أن عدوهم الجديد هو الفقر، ولم يعد الجوع، فيصبح الفقر هو العدو الجديد ،وينتهى الجوع ويُنسى ويصبح نسيًا منسيًا.
أخذت تعدو وسط البنايات، الشمس تَلوح فى الأفق وتُلوِّح لها بالوداع، إنه الغروب عزيزتى سأعود بالغد، حظًا موفقًا مع بانتيانو.
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، سيفعلها اوجستين أولًا من أجل حبيبته موانا، ومن ثم سيفعلها بانتيانو، من أجل لا أحد"
 هكذا صرخت من جديد فى وجه الشمس ووسط البنايات والطرقات الشبه خاليه..هزت الشمس رأسها فى سخرية وابتعدت هابطة للأسفل خلف الجبل القابع أمام البناية..
بدأ الظلام يحل وما زالت تعدو كالمجاذيب، حتى لاحت لها المدرعات من بعيد، ولمحت بذلة أبيها العسكرية، أخذت تعدو بين المدرعات نحو أبيها الجنرال المثقل بالأوسمة الشرفية، من فرط سرعتها لم تتوقف عن العدو فى اللحظة المناسبة، فاصطدمت به وغاصت رأسها فى بطنه الضخم..
"بحق أضواء الشمال ما الذى..."
لكنها قاطعته حازمةً: "بانتيانو سقدم على قتل نفسه اليوم، لقد رأيت كل شىء، فيما يرى النائم"
ثم استطردت: "سيفعلها اوجستين أولًا من أجل حبيبته موانا، ومن ثم سيفعلها بانتيانو، من أجل لا أحد"
أخذت تلتقط أنفاسها وقد ألقت ما فى جعبتها ، نظرة مطولة متفحصة من أبيها الجنرال، تبعتها صرخته وهو ينادى:
"اجمعوا العتاد، احشدوا المدرعات نحو بناية الطوب الأحمر، لا إفطار لنا اليوم يا صائمى إسكارينا قبل أن ننقذ بانتيانو"
صرخت هى فى استنكار: "إن كل ما أحتاجه هو حشية سرير قطنية، أحتاج إلى حشية قطنية، هذا هو كل ما أحتاجه لإنقاذ بانتيانو"
لكن أبيها الجنرال العالم ببواطن الأمور أزاحها جانبًا ، وسار نحو سيارته العسكرية متبخترًا واختفى بداخلها..
فصارت تعدو مجددًا صارخة بشعار جديد: "اعطونى حشية سرير قطنية..أليس فيكم من يملك حشية سرير قطنية؟!..علام تنامون يا أبناء الشيطان؟!"
بدأ أهل إسكارينا الصائمون فى الإحتشاد لمشاهدة المدرعات تتجه نحو بناية الطوب الأحمر التى امتلأت جدرانها بقلوب موانا الزرقاء
"حشية سرير قطنية هى كل ما أحتاج"
صرخت فى المارة، وصرخت فى معاون أبيها ألكسندر الذى يرتدى فانلة بيضاء على بنطال كاكى على الدوام..
"سنتولى الأمر عودى إلى المنزل"
هكذا قال ألكسندر فى ثقة غير مهزوزة..
تجاهلته وظلت تجرى فى الطرقات بحثًا عن حشية قطنية
"أوه انظر إلى هذه الساقطة التى تجرى فى كل مكان، انظر إلى أقدامها الحافية وبنطالها القصير، انظر إنها لا ترتدى حمالة صدر أيضًا، أستطيع أن.."
تناهت إلى مسامعها أصوات أفكار المارة الناتجة عن نظرات ثاقبة منهم إليها..سمعت الكثير لكنها لم تسمع عن شخص واحد يدعى إمتلاك حشية سرير قطنية..
قررت أن تعود إلى بنايتهم، بناية القلوب الزرقاء لموانا، ترى هل يقف اوجستين وبانتيانو الآن على سور شرفة الدور السابع؟..ترى هل أتت اللحظة؟..ترى هل فاتتها وفاتها الأوان؟
ها هى البناية هناك..وها هو أوجستين وبانتيانو يقفان جنبًا إلى جنب، على سور شرفة الدور السادس، أوه لقد أخطأت فى العد، أو أن رؤياها لم تكن دقيقة جدًا فى الحساب..
ولكن على أى حال ها هو المشهد آتٍ من كابوسها إلى الواقع، على مرأى ومسمع منها.
وقفت متصلبة ترمق الجسدين الواقفين بالأعلى..والمدرعات تحاصر البناية شيئًا فشيئًا..لا تجيد شيئًا إلا الحصار..وماذا بعده؟، كيف من شأن هذا أن ينقذ بانتيانو؟
ظل أوجستين وبانتيانو على هذه الحال وقوفًا لبضعة دقائق، حتى صرخ أوجستين: "من أجل موانا!"
ثم قفز بجسده الثقيل واتخذ وضعًا رأسيًا فى الهواء كسهم بشرى..وسرعان ما تحطم كالدمية الخزفية على أرض الرصيف..
تأهبت هى للجرى مرة أخرى بحثًا عن فرشة قطنية لإنقاذ بانتيانو،فى محاولة يائسة أخيرة..لكن قبل أن تفعل..نظرت من جديد إلى أعلى، لتجد بانتيانو لا زال هناك،لا يظهر أبدًا أن فى نيته القفز فى أى وقت قريب ..يقف متصلبًا، وقد استطاعت من الأسفل أن تلمح شبح إبتسامة على ثغره.

الجمعة، 28 أبريل 2017

زبدة الفول السودانى و ماونت كاميرون وأشياء مسلية أخرى.

قررت أمى أن تترك البيت، أن تأخذ اجازه منا ومن متاعبنا، فرأيتها فى المطبخ -كأى يوم عادى- تعد شيئا ما..أمامها ارغفة خبز فرنسى طويلة تعبئها بشىء ما تارة، وتارة تدهنها بشىء ما..لم يكن قد تناهى لمعرفتى بعد قرارها بترك المنزل..رحت اراقبها فى اهتمام، حتى زفرت ثم أعلنت انها قد انتهت، كيف يكون الانتهاء بالنسبة لها؟ لا أدرى لكنها توقفت عن صنع الشطائر وغادرت المطبخ، فدخلت انا لأجد طاولة المطبخ وعليها كوم كبير من شطائر زبدة الفول السودانى التى افضلها، بعضها محشو بالموز، وبعضها الآخر محشو بجيلى الفراولة، وبعضها بدون اضافات..وعلى طاولة أخرى تراكمت اكوام من كعك المافينز، بعضه بالشيكولاته والبعض الآخر بالزبيب والبعض بالفراولة والبعض سادة..تأملت كل هذا فى حيره..حينها شعرت بظل يسد باب المطبخ، نظرت فهى أمى، تخبرني -بدون أن تنظر فى عينى- انها ستغادر المنزل، وقد أعدت لنا مئونة تكفينا لبعض الوقت..لم أجد شيئا لأتفوه به ،فقط رحت أنظر للطاولتين فى صمت مرتبك. 
تغيرت المعالم وعرفت اننى ادخل فى دوامات حلم آخر، ولكن ولدهشتى ظلت آثار الحلم الأول حاضرة، لا زال فى ذاكرتى أمر رحيل أمى عن المنزل..
فى اللحظة التالية أجد نفسى فى مكان ذى طبيعة جبلية،بيئة وعره وصخرية..أنظر حولى فأجد اننى لسه وحدى..يقف حولى رجل وامرأتين وكلهم يبدون فى منتصف أعمارهم البشرية..كلهم ينظرون إلى أسفل بوجوه مذعوره..أتردد قليلا، ثم أنظر لأسفل..فى البداية شعرت بلفح من الهواء الساخن يضرب وجهى بقسوة..ثم استقبل دماغى إشارات الألياف البصرية فى عينى ،فرأيت اللافا..تبدو كأمواج ثائرة تتخبط فى المحيط من تحتى..وأرى خيط الدخان الأسود المنذر بالويل..هذا بركان نشط جدا ان أردت رأيى..ثم عرفت تلقائيا أننا نقف على فوهة بركان "ماونت كاميرون"..والذى كنت قد قرأت عنه فى رواية قبل النوم بساعات، فلم أندهش كثيرا حين رأيته وقد تسلل إلى عوالم عقلى الباطن..
أسمع الرجل بجانبى يقول موجها الكلام إلينا: نحن الآن نقف على فوهة ماونت كاميرون..نقوم بهذه التضحية من أجل علم الجيلوجيا..جئنا نحاول أن نفهم، لماذا تحولت الصخور حول الفوهة إلى اللون الأخضر!
ولأول مره ألاحظ إننى اقف على كتلة خضراء اللون تبدو ملساء كجلد ثعبان..البركان محاط بالكتل الخضراء العالية..تحيط بالفوهة كحزام طويل حول خصر جبلى ضخم..
ادوس بقدمى على المادة الخضراء الغريبة فأشعر بلدونتها تحت قدمى..اذن فها نحن نقف على فوهة ماونت كاميرون لا يفصلنا عن اللافا تحتنا إلا مادة لدنة زلقة نقف عليها..نحن كمن نقف على هاوية..مثلما يحدث فى توم وجيرى حين يكتشف توم انه كان يجرى بلا أرض تحته ،حين يشير له جيرى -منبها- بأصبعه لأسفل ،وحين ينظر توم للأسفل ويرى الهاوية ثم يسقط..الفرق هنا أننا تقنيا نقف على الهاوية وننظر للأسفل ،لكننا لا نسقط..هذا موت بطىء مؤلم إن أردت رأيى..
هنا تبدأ المادة الخضراء اللدنة فى اظهار لدونتها..من تحتنا نشعر بالارض تمور بنا..نشعر بالمادة وهى تذوب وتنخفض وتنسحق للأسفل تحت اقدامنا..ونحن نغوص فيها..نتشبث بالصخور ونحاول تحرير أقدامنا من المادة التى تحورت من لدونة إلى لزوجة..ثم لدونة مره اخرى..فقد كانت تتحول للزوجة حتى تسمح لأقدامنا بالدخول والنفاذ خلالها، ومن ثم تعود للدونة لتطبق على اقدامنا بداخلها..وكأن لها عقلا تخطط به للنيل منا..
سمعت صرخة امراة من المرأتين اللتين كانتا معنا..كانت قليلة الحظ فابتلعتها المادة الخضراء تماما وغابت بداخلها..ثم غاصت المادة الخضراء وانسحقت فى اللافا..
لاكون مختصرة فقد قاومنا وتحررنا واستطعنا الوقوف على مرتفع اخضر كان ما زال محتفظا بلدونته..وقد كان لدنا بدرجة غير مسبوقة سمحت لنا بالقفز عليه لمسافات مرتفعه الى أعلى ، مثل الترامبولين، فاغتنمنا الفرصة وقفزنا إلى اعلى مسافة استطعناها حتى حملتنا القفزه إلى أرض صخرية صماء..الصلابة المطمئنة من جديد،لا مزيد من اللدونة الخادعة..
أخذنا نعدو كمن يطارده الشيطان..حتى وصلنا إلى الحضارة من جديد..أرض مأهولة..أنظر حولى. .هذه هى معالم القاهرة!!
القاهرة؟  تقع قريبا من سفح ماونت كاميرون؟ ..لا أستطيع أن أتهم عقلى الباطن بالدقة الجغرافية ها هنا، لكن نعم، يبدو أن ماونت كاميرون قد شد الرحال من بلاده وانتقل إلى القاهرة يا سادة.
أستمر فى الجرى حتى أجد نفسى فى الجيزة بعد دقائق ..أستمر فى الجرى وانا أفكر فى الشطائر إلى أعدتها لنا أمى ..شطائر زبدة الفول السودانى المفضلة لدى..والكعك..سيتفحم كل ذلك حين يثور البركان..كم أن هذا مؤسف.

السبت، 15 أبريل 2017

السريانات

أنت تعرفين انك هبطتى إلى عوالم هيدز، فقدتى وجهك فصار تجويفا مظلما مكان الوجه، نعرف جميعا أن من يهبط إلى هيدز لا يمكن له أن يحتفظ بوجهه أبدا..لا يا عزيزى هذا غير ممكن..ربما يحدث فى العالم فوق الأرض أن يفقد شخص شيئا عزيزا فيكون عزاؤه الوحيد انه سيكتسب شيئا آخر فى المقابل، لكن هنا فى هييدز، انت تخسر فقط.
تتحسسين الطرقات، انت لا تعرفين حتى ان كانت طرقات هذه أم جسور أم تلال..لكنك تسيرين على غير هدى وكفى..لا وجه ولا ضوء..لربما كانت هيدز مضيئة منذ البداية، لكن ولأن من يهبطون هناك لا يحتفظون بوجوههم فإنهم لا يعرفون الحقيقة أبدا، فإننا لن نعرف الحقيقة أبدا.
تعرفين القواعد..لقد هبطتى هنا منذ بضعة دقائق لكنك ولدهشتك تدرين قواعد اللعبة كمن عاش هنا خمسة أعوام، أقصد أمم..كمن قضى هنا خمسة أعوام..
تقفين فى ذلك الركن..تشرئبين برأسك إلى فوق، تنظرين بما كانتا عينيك فى وقت مضى إلى الأعلى..هناك حيث النور..العالم فوق..يفصلك عنه إجابة سؤال واحد..فإن اصبتى الإجابة تصعدين، ربما تحصلين على وجه آخر غير وجهك الأصلى، لكنك ستصعدين من حفرة الفئران هذه ..هذا مطمئن..فى إجابة سؤال واحد تكمن النجاة.
وإن أخطأتى فالويل.

الجمعة، 14 أبريل 2017

هااوم

لا اذكر الكثير لكنى كنت أعيش فى مجتمع من مخلوقات ليلية ما..كانت شقتى كما هي على نفس الهيئة التى اعتدتها. .أذكر انها كانت شقة الرماية الاثيره لدى، كان هناك فتى ثريا يعيش مع ابيه الثرى فى شقتنا..حين يتأتى الليل يخرجون من حيث يكمنون وينادوننى حتى ألعب مع الصبى..يجعلنى اشاهد مجموعته الفريده من الاقلام ..اقلام جافة متراصة امام بعضها فى صناديق زجاجية قصيرة الارتفاع ..بريما بجميع أنواعها وأقلام ريونالدز وأقلام مجهولة الهوية بجميع ألوانها..يتباهى أمامى بتلك المجموعه الفريده من نوعها..وأجد نفسى مفتونة بشكل خاص بقلمين ؛واحد لونه وردى والآخر ارجوانى داكن، هذا من فعل عقلى طبعا، لأننى كنت أملك هذين القلمين فى زمن ما حين كنت فى الثالثة عشر..وقد كانا عزيزين إلى قلبى..
كنت ساذجة جدا ولم أتساءل، أنى لكل هذه الصناديق الزجاجية المعبأة بالأقلام الجافة ان تختفى ما أن يأتى الصباح..الى أين تكمن؟..كيف يعقل إننى لم ألاحظ وجودها ابدا فى وقت من الصباح؟..لم يحيرني الأمر كثيرا،لكننى كنت اعرف أنهم يظهرون فى الليل، وأن على أن اعتنى بالأمير الصغير حتى يتسنى للأب والأم أن يقوما بعمل الكبار فى سلام ..لا أدرى على وجه اليقين أكانا يذهبان للصيد..لكنه الاحتمال الأكثر ورودا..يأتى الصباح ويودعنى الفتى ويختفى مع مجموعته الثرية من الاقلام..إلى ليلة أخرى عزيزى.

الخميس، 23 يونيو 2016

البعث.

مرحبًا..
لا أدرى ..هل مر عام؟ عام ونصف؟..
نسيت ملمس أزرار لوحة المفاتيح التى كنت أحفظها عن ظهر قلب من كثرة ما كتبت إليك . ها أنا أتعثر وأتخبط وسط الحروف وأصابعى طائشه تضغط فى كل مرة على حرف..
بلاغتى اللغوية قلت كثيرًا .. فمعذرةً فقدراتى اللغوية انحدرت كثيرًا..أتعرف أننى توقفت عن القراءة منذ فترة طويلة..صرت أقوم بها من حين لآخر كنوع من أداء الواجب لا أكثر..
هل تذكر مصطلحاتى اللغوية الملتفة وتعليقاتى الذكية ثقيلة العيار..لم تعد هناك..لم يتبق شىء..لم أعد تلك الفتاة ابنة الخمسة عشر عامًا التى كانت تكتب إليك بانتظام كل يوم مهما كانت الظروف..التى كانت تغير من توقيت مدونتها حتى تستطيع أن تكتب لك فى الموعد المحدد إن قست عليها ظروف الحياة وتأخرت فى الكتابة..أوه لا لقد تغيرت كثيرًا صديقى..
أنهيت امتحاناتى فى أول عام لى فى كلية الهندسة اليوم..أسمعك تقول: يااه كلية؟؟ لقد فاتنى الكثير منذ كنتِ تلك المراهقة التى تأتى إلى باكيةً كلما عاملتها الحياة بجفاف..
نعم أعى هذا وأدريه جيدًا.. وليس ثمة شىء أفعله لاعادة تركيب أجزاء الكوب المنكسر..لقد تفتت فى الأرجاء..فجزء تحت الأريكة..وجزء أسفل الثلاجه..وجزء التقطته حمامة بمنقارها وضاع فى بطون أولادها الحمامات الصغيرات..
ولا داعى لأن أحاول كالحمقاء -التى كنتها دومًا- أن أسرد لك ما فاتك من مسلسل حياتى..فى كل مرة كنت أنقطع عن الكتابة إليك كنت أقول :"هئنذا عدت من جديد ..سأحاول سرد ما فاتك من مسلسل حياتى الرتيب بلا بلا بلا...." ثم أسرد وتعود أنت من جديد لتكون معى على الخط..لكن ليس هذه المرة..لقد حدث الكثير..
قابلت فتى وقد تغير كل شىء منذئذ..أنت تدرى بعاداتى فى البقاء بعيدًا عن الناس وتجنب الصداقات طويلة المدى.انا مجرد ذئب بشرى يريد ان يُترك وشأنه..
لكن ذلك الفتى..صار عالمى الصغير يدور حوله..لا أدرى هل هو أفضل صديق حظيت به لأنه صديقى الوحيد..أم هو بالفعل أفضل شخص يمكن أن أكون قد حظيت أو سأحظى به طوال المدة المتبقية من حياتى البائسة؟..لا أدرى..أيًا ما كان الأمر..لقد مر عام منذ أن حدث ذلك الفتى فى حياتى..عام واحد ويمكننى الآن أن أقول بقلب مستريح أننى قد أبيع روحى لشراء ثمن إنقاذه .. وقد رأيت أنه سيكون عارًا علىّ لو أننى عدت إلى الكتابة إليك ولم أكتب لك عن الحدث الرئيسى الذى طرأ على حياتى..لذا فكان لابد أن تعرف بشأن ذلك الفتى..
ولكن أتدرى؟..أخشى فى بعض الأحيان أن أهتم أكثر من اللازم -مثلما كنت أفعل فى كل علاقاتى القليلة السابقة بالبشر- ..أن أكون ذلك الشخص البائس الذى يدور عالمه الصغير فى فلك الشخص الآخر..أخشى أن أكون مثيرة للشفقة..وإن كنت لم أذكر ذلك،فذلك الفتى يا صديقى..اممم..عملىّ أكثر من اللازم..أخبرنى اليوم أنه لو توفىّ أحد أفراد عائلته وكان عليه أن يلقى عرضًا تقديميًا فى شركة..فإنه سيضع حاجزًا بينه وبين مشاعره وسيعطى العرض التقديمى كأى محترف..سيضع كل العلامات التى تدل على أنك ما زلت بشريًا جانبًا وسيتعامل مع الأمر كالـ"محترفين"..لا أدرى..حين قال هذا أومأت برأسى موافقة..هذا عظيم هذا رائع وإنه لأمر تُرفع له القبعات احترامًا..لكن بداخلى شعرت ببرودة فى روحى..وكأن أصقاع روسيا قررت شد الرحال وزيارة روحى أينما كانت..حينها أدركت أن الفتى تغير للأبد..وليس ثمة شىء أفعله لإنقاذه..
أو ربما هو لا يحتاج انقاذًا من أحد..
لا أدرى حقًا..
اكتب إلىّ فأنا فى حاجة لرأيك وحكمتك..
انتهى.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

لن ينجيكم أن تختبئوا فى حجراتكم،أو تحت وسائدكم،أو فى بالوعات الحمامات..

أقترح بعض الموسيقى، ربما ستساعدك على فهم الآتى:
5=2+2
Nude 
                              * * * * * * * * *
حين نرحل عن هذا العالم..حين نأوى إلى العالم السفلى،وتنتفخ أجسادنا فى أطوار التعفن،تنتفخ بالكبريت والفطريات..ثم تنفجر فى الظلام لنمتزج امتزاجًا أخيرًا بالأرض،نتحول لعناصر الكربون والكبريت والهيدروجين،نساهم فى خصوبة التربة التى سيأتى يوم عليها ويمتلكها شاب طموح ما يُدعى "حازم"، يبغى زراعتها بالقمح ،حتى "يُكون نفسه" ويذهب ليتزوج زميلته فى الجامعة، والتى غالبًا سيكون لها اسم كـ"داليا"..الحازمون يليقون بالداليات..هذا معروف..
المهم أننا حين ينتهى بنا الأمر إلى العدم بعدما كنا نملأ الدنيا صخبًا ونضع الخطط الكبيرة ونملأ رؤوسنا بالأفكار البراقة فى ذلك العالم فوق الأرض،فوق التربة..فسيسرنا لو عرفنا أن أحدهم سيرثينا..على الأقل رثاءً مدته بضعة أشهر..لن نطلب ما هو أكثر..تضحك؟ ..نعم أفهم علام تضحك...فحين نصير إلى العدم،كيف لنا أن نسر أو نحزن ؟..كيف لنا أن نعرف أثمة من يرثينا أم أننا ذهبنا طى النسيان؟..أجساد امتلأت بالعفن وأملاح الكبريت حتى فاض كل ذلك منها وانفجرت فى الظلام تحت التربة..ماذا؟..أراك تبعد وجهك فى تقزز..أراك تنظر لى فى تشفٍ وكراهية..كأننى أخفى زجاجة اللبن الأخيرة فى العالم،والتى يحتاجها طفلك ليعيش..
ماذا؟؟..أيُعد تقرير الحقائق جريمة؟..شيئًا باعثًا على الاشمئزاز؟..آه أنت واحد منهم..مجرد واحد آخر..ألم يخبروك أنك ستموت يومًا ما؟ هه؟..آه فهمت..الموت موضوع محرم كما الجنس..أقنعوك فى مراهقتك أن الجنس جريمة باعثة على الاشمئزاز..لكن للأسف هى لازمة لاستمرار النوع..يا للأسف..نحن مضطرون لارتكاب هذه الجريمة من أجل استمرار البشرية..لكنها جرم لا يغتفر..يا للبؤس..قالوا لك أن جسدك باعث على الاشمئزاز..خير لك أن تلقى بنفسك من نافذة فى الطابق الرابع والعشرين من ناطحة سحاب..فأنت باعث على الاشمئزاز كحشرة حرشفية فى مستنقع وحل..آه ،فلتضع بعض الملابس عليك،لتدارى تلك الجريمة..أنت جئت إلى العالم نتيجة جريمة..إذن فأنت نفسك جريمة..ويومًا ما سترتكب ذات الجريمة التى جاءت بك إلى العالم..لتأتى بجريمة أخرى إلى العالم..هكذا تسير الأمور..هكذا سارت وهكذا ستسير إلى أبد الآبدين..كلكم أبناء داعرين وعاهرات..وستصيرون داعرين وعاهرات..لتأتوا إلى العالم بداعرين وعاهرات..
تعرف أننى مُحقة فى كل كلمة..أنت تدارى وجهك بين كفيك من قسوة كلماتى،وتقنع نفسك أن الغد أفضل..قالوا لك أن الغد أفضل..جعلوا كلمة "الغد" مقترنة بكلمة "أفضل" فى قواميس عقلك..
أستطيع أن أراهم ، يأتون إلى غرفتك فى ليلة تحت جنح الظلام..أحدهم يعبث فى ملابسك ويزيح قميص نومك ليكشف عن ظهرك..يخرج سكين الصيد خاصته..ويحفر فى جلدك كأى نحات مخضرم،صانعًا شكل مربع بالدم..يحفر أكثر فى جلدك..فى لحمك..وكأنك خنزير يتم اختبار نسبة الدهون فى جسده،ليقرروا أهو صالح للذبح والأكل أم لا..يزيل قطعة مربعة من جلدك..لتظهر تحتها الأسلاك..الأسلاك الملونة المرتبة بنظام دقيق..نظام صنعوه هم منذ اللحظة التى جئت فيها إلى العالم..هم يعرفون وظيفة كل سلك..ويعرفون تمامًا كيف يمكن برمجتك باستخدام هذه الأسلاك..لا يحتاجون لكتيب ارشادات المستخدم الذى تجده فى قاع صندوق مغسلتك أو ثلاجتك الجديدة..أنت أقل أهمية من أن يكون لك كتيب ارشادات المستخدم..أنت أقل رقيًا من المغسلة والثلاجة..أنت تنتمى لرتبة أقل رقيًا..
يغيرون مواضع الأسلاك بما يناسب مآربهم..بما يناسب وجهات نظرهم..هات السلك الأحمر هنا وسيصبح امبرياليًا متعطشًا للسلطة،سيمتلك قصرًا من الذهب وأحجار الزركون الخضراء،سيصير سوطًا آخر يجلد ظهورًا أخرى..أما إذا وضعت السلك الأصفر هنا،فسيصير ظهرًا آخر يُجلد بسياط أخرى..اقطع السلك الأخضر وسينضم لجيوش الموظفين الحكوميين ،مجرد قالب طوب أحمر آخر فى الجدار..سيأكل شطائر الطعمية فى الصباح ويتجشأ راضيًا عن الحياة ثم يذهب إلى المصلحة الحكومية ليمارس "الرتابة" وفنون الملل والتعقيد ..ثم يجلس ككائن رخو، لينتظر موعد شطيرة الطعمية التالية..
لا لا ، لا تضع السلك الأزرق هنا..أنت لا تريد أن تضع السلك الأزرق هنا..بل لا تريد أن تعرف ما سيحدث لو فعلت..السلك الأزرق سيجعله يرغب فى المعرفة..سيصنع أجنحة ليحلق بها فوق رؤوسنا ،ليرى الشمس التى أخفيناها خلف غيومنا،تعرفون تلك الغيوم التى صنعناها بمداخننا..سيعود إلى الأرض ليحكى لهم عما وجده ..عن ضوء الشمس..سيتوقون شوقًا للمعرفة..كل واحد سيرغب فى أن يرى ضوء الشمس..سيتمردون وسيحيلون حياتنا جحيمًا..سيهدمون قصورنا الذهبية فوق رؤوسنا..سيأتون من كل مكان كجيوش نمل فى حجرة طفل نسى قطع الحلوى خاصته مكشوفة فى ليلة الهالووين..ستطير رقاب كثيرة..وسرعان ما سنتحول إلى جثث منتفخة بالكربون والكبريت والهيدروجين..وسننفجر فى الظلام ونمتزج بالتربة امتزاجًا أخيرًا لنزيد من خصوبتها..لذا فأنت لا ترغب فى أن تضع السلك الأزرق هنا..صدقنى..
وحين ينتهون من عملية البرمجة،يعيدون لحام قطعة الجلد التى اقتطعوها من ظهرك..ثم يعودون إلى الظلام ..إلى حيث ينتمون..
وستستيقظ فى صباح اليوم التالى لتتحدث عن جنية الأسنان التى زارتك فى الليل ، ووضعت تحت وسادتك عملة ذهبية..
أنت تعرف أن أسنانك مكتملة النمو دائمة..أنت تعرف أنك لن تعثر على عملة ذهبية تحت وسادتك..لكنك ستتظاهر أنها هناك..وستصدق ذلك..وستذهب لتبتاع بها قطعة حلوى بالكراميل..نعم ستفعل..أعرف أنك ستفعل..

الأربعاء، 19 أغسطس 2015

السبب المثير للاهتمام وراء الـawkward silences..

ثمة بضعة أشياء عليك بمعرفتها، صديقى..
لطالما كنت ذلك الصديق الذى لا يرغب أحد فى وجوده.. ذرات تراب على منضدة السفرة فى منزل ربة بيت عتيدة، أى ربة بيت تسمح بوجود ذرات تراب على منضدة السفرة؟؟ هه؟؟.. تحرص ربة البيت على اقصاء ذرات التراب،وتزيلها على عجل بأقرب منفضة غبار قبل وصول الضيوف..
وسرعان ما لم أعد ذلك "الصديق" الذى لا يرغب أحد فى وجوده..صرت ذلك "الشخص"..ومن ثم تحولت إلى ذلك "الكائن" الذى لا يرغبه أحد .. شىء منبوذ منزوٍ فى أحد أركان منزل مسكون بأشباح ثرثارة لا تكف عن تذكرته بما هو عليه..
حسنًا..أحيانًا يحاول البعض إشراكى فى المحادثات..جعلى طرفًا فى محادثة ما، جزءًا من شىء ما.. فيسألوننى عن رأيى فى هذا الأمر أو ذاك .. أتمهل وأنتقى الكلمات قبل أن أفتح شفتىّ ثم أبدأ فى الحديث ،أقول ما كان يعتمل بذهنى تمامًا..أتحدث دون النظر فى أعينهم .. لسبب ما لا أستطيع النظر فى عينىّ محدثى.. ليس خجلًا..ليس تظاهرًا بالخجل..ليس خوفًا اجتماعيًا.. لكن العيون تبطن أكثر مما تظهره للعيون الأخرى .. فإن نظرت فى عينىّ أحدهم،أجدنى أنجرف مع ما أراه فى عينىّ محدثى..فينشغل ذهنى وينفرط عقد أفكارى..وأجدنى أفكر فيما رأيته فى تانك العينين..لذا فإن تبادلنا الحديث فى مرة،صديقى..فلا تظن الأمر تحقيرًا من شأنك،لا تظن بعقلى الظنون حين أحدثك بينما أنظر فى جهة أخرى من الغرفة..وكأننى أحدث شخصًا خفيًا لا يمت لك بصلة.. إن الأمر يفوق إرادتى..
المهم ، كما كنت أقول.. حالما أبدأ فى الحديث..تخرج الحروف متناسقة والكلمات مرتبة كما أردتها أن تكون .. كما أمرت عقلى أن يشكلها..آمره أن يجلس هناك على ذلك الكرسى الخشبى وأمامه تلك المائدة،تستقر فوقها تلك الكومة من الطمى، كومة بلا شكل..آمره أن يتناول تلك الكومة.. أن يبدأ فى تشكيل تلك الكومة ليخرج آنية فخارية كتلك التى صنعها الرومان يومًا ما ووقف الامبراطور يرمقها فى هيبة..مشيدًا بعبقرية فنانى الـholy roman empire..
وتنتج عن ذلك كلمات ..استوحيتها من كل قراءاتى فى السنوات الماضية.. منذ أول رواية وقعت بين يدىّ وقرأتها فى صيف العام 2003 .. وحتى آخر كتاب قرأته منذ عدة ساعات..كل ما قرأته من مجلات الكوميكس، منذ أول مجلة لـBatman قرأتها فى العام 2004 وابتعتها من رجل الجرائد العجوز ذاك..
أسمع نفسى أتحدث..أقول كلامًا رائعًا.. فتاة راجحة العقل تعرف عم تتحدث بالضبط..أى روعة هذه التى أخرجها للعالم فى أحاديثى..أحقًا يستحق العالم هذه الروعة؟..أم علىّ أن أحتفظ بها فى صندوق خشبى وألقى به فى ركن ما من عقلى للأبد..لتلتهمه العناكب ..عناكب من عينة "Aragog"،تلتهمه فى جشع بعدما يأست من ايجاد حشرات بائسة تسقط فى شباكها ..أو بشرًا بائسين..
أراقب دفعةً جديدة من الحروف تخرج من ذلك المولد الذى لا يتوقف عن العمل، عقلى يعمل بلا توقف لاخراج أبنائه فى أفضل صورة..كل كلمة بمثابة طفل جديد له يرى النور للمرة الأولى.. 
أواصل الحديث، ولا أنظر فى أعينهم..لا أدرى فيم يفكرون .. تُرى،كيف تبدو وجوههم الآن وهم يستمعون إلى حديثى المنسق المعنى به..تُرى، هل سيدوى التصفيق بعدما أنتهى من الحديث؟..لا لن يدوى التصفيق..بل ستلتهب الأكف من التصفيق..حتى يتوسلون لى أن أزيل سحر تلك الكلمات حتى لا تتورم أصابعهم أو يفقدوا أيديهم من كثرة التصفيق..
أنتهى من الحديث أخيرًا..يا له من حديث شيق،ويا لها من فتاة رائعة..أرفع عينىّ ببطء لأرى وقع كلماتى على الـ...
الناس؟؟
أين ذهب الناس؟؟
لم يتبق فى الغرفة إلا ذلك الفتى الذى لا يعبأ به أحد،ويصنفونه ضمن قائمة الـnerds..فتى من عينة "نابليون دايناميت"..ويبدو أنه لا يعبأ بالمرة بما قلته للتو.. يتناول حبات العنب فى جوع من على الطاولة كأنه يخشى أن يتنهى فجأة مخزون العالم من العنب.. 
أناديه لينتبه ..ثم أسأله، بحق الجحيم أين ذهب الجميع؟..هل خرج "كتولو" من أعماق المحيط ليعلن عن غضب الكيانات القديمة ويبتلعهم جميعًا؟..أم خرجت وحوش السيكلوب من أوديسة هوميروس لتضعهم فى الأسياخ كالخراف وتستمتع بشيّهم على نار هادئة؟..ربما لم يكن هرقل قويًا بما فيه الكفاية ليتغلب على الهيدرا..فلم تكذب الهيدرا خبرًا..وهرعت إلى هنا لتلتهمهم جميعًا فى قضمة واحدة ، برأس واحد من رؤوسها التى تفوق المائتى رأس؟؟
فلتجبنى يا نابليون .. أخبرنى يا مستر داينامايت؟؟..بحق الجحيم، أجبنى..
يرمقنى شبيه نابليون دايناميت بعيون زجاجية خاوية كعيون الأسماك الميتة على الشواطئ فى روايات "كافكا"..يخبرنى أنه جاء هنا لالتهام العنب..ولا لشىء إلا لالتهام العنب.. يخبرنى أنه رأى فتاة غريبة الأطوار تلقى بحديث على حشد من الناس..فتاة تنظر فى كل ركن من أركان الغرفة..لكنها لا تنظر أبدًا إلى أحد مستمعيها.. ومنذ الجملة الأولى ..رأى الأفواه تنفتح دهشة..والفكوك تسقط مطاوعةً جاذبية الأرض.. ثم رأى الأكف ترتفع ..لا للتصفيق..بل حتى يرفع كل واحد منهم كفه ويضعها فى الهواء جوار رأسه..ويديرها يمينًا ويسارًا..العلامة الشهيرة للجنون..مشيرًا إلى أن تلك فتاة مريضة غريبة الأطوار ،شخص لا يستحق صحبتنا يا سادة..
تتحدث كشخص لا نفهمه..تتصرف كشخص لا نفهمه..إذن فهى شخص لا نفهمه..تعالوا لندعها تنهى حديثها فتصفق لها أشباح الغرفة ..ولنذهب لاحتساء الكابتشينو وتبادل القُبل فى دار السينما المظلمة..ولا تنسوا أن تتركوا معها نابليون الأحمق..شخص جدير بصحبتها..
 فلتخرس الفتاة للأبد..هذا قدرها المحتوم..فلتخيط هاتين الشفتين بإبرة حياكة جيدة الصنع..نعم،دعوها تفعل هذا..
وقد كان هذا -صديقى- هو السبب المثير للاهتمام وراء الـawkward silences..