الأربعاء، 19 أغسطس 2015

السبب المثير للاهتمام وراء الـawkward silences..

ثمة بضعة أشياء عليك بمعرفتها، صديقى..
لطالما كنت ذلك الصديق الذى لا يرغب أحد فى وجوده.. ذرات تراب على منضدة السفرة فى منزل ربة بيت عتيدة، أى ربة بيت تسمح بوجود ذرات تراب على منضدة السفرة؟؟ هه؟؟.. تحرص ربة البيت على اقصاء ذرات التراب،وتزيلها على عجل بأقرب منفضة غبار قبل وصول الضيوف..
وسرعان ما لم أعد ذلك "الصديق" الذى لا يرغب أحد فى وجوده..صرت ذلك "الشخص"..ومن ثم تحولت إلى ذلك "الكائن" الذى لا يرغبه أحد .. شىء منبوذ منزوٍ فى أحد أركان منزل مسكون بأشباح ثرثارة لا تكف عن تذكرته بما هو عليه..
حسنًا..أحيانًا يحاول البعض إشراكى فى المحادثات..جعلى طرفًا فى محادثة ما، جزءًا من شىء ما.. فيسألوننى عن رأيى فى هذا الأمر أو ذاك .. أتمهل وأنتقى الكلمات قبل أن أفتح شفتىّ ثم أبدأ فى الحديث ،أقول ما كان يعتمل بذهنى تمامًا..أتحدث دون النظر فى أعينهم .. لسبب ما لا أستطيع النظر فى عينىّ محدثى.. ليس خجلًا..ليس تظاهرًا بالخجل..ليس خوفًا اجتماعيًا.. لكن العيون تبطن أكثر مما تظهره للعيون الأخرى .. فإن نظرت فى عينىّ أحدهم،أجدنى أنجرف مع ما أراه فى عينىّ محدثى..فينشغل ذهنى وينفرط عقد أفكارى..وأجدنى أفكر فيما رأيته فى تانك العينين..لذا فإن تبادلنا الحديث فى مرة،صديقى..فلا تظن الأمر تحقيرًا من شأنك،لا تظن بعقلى الظنون حين أحدثك بينما أنظر فى جهة أخرى من الغرفة..وكأننى أحدث شخصًا خفيًا لا يمت لك بصلة.. إن الأمر يفوق إرادتى..
المهم ، كما كنت أقول.. حالما أبدأ فى الحديث..تخرج الحروف متناسقة والكلمات مرتبة كما أردتها أن تكون .. كما أمرت عقلى أن يشكلها..آمره أن يجلس هناك على ذلك الكرسى الخشبى وأمامه تلك المائدة،تستقر فوقها تلك الكومة من الطمى، كومة بلا شكل..آمره أن يتناول تلك الكومة.. أن يبدأ فى تشكيل تلك الكومة ليخرج آنية فخارية كتلك التى صنعها الرومان يومًا ما ووقف الامبراطور يرمقها فى هيبة..مشيدًا بعبقرية فنانى الـholy roman empire..
وتنتج عن ذلك كلمات ..استوحيتها من كل قراءاتى فى السنوات الماضية.. منذ أول رواية وقعت بين يدىّ وقرأتها فى صيف العام 2003 .. وحتى آخر كتاب قرأته منذ عدة ساعات..كل ما قرأته من مجلات الكوميكس، منذ أول مجلة لـBatman قرأتها فى العام 2004 وابتعتها من رجل الجرائد العجوز ذاك..
أسمع نفسى أتحدث..أقول كلامًا رائعًا.. فتاة راجحة العقل تعرف عم تتحدث بالضبط..أى روعة هذه التى أخرجها للعالم فى أحاديثى..أحقًا يستحق العالم هذه الروعة؟..أم علىّ أن أحتفظ بها فى صندوق خشبى وألقى به فى ركن ما من عقلى للأبد..لتلتهمه العناكب ..عناكب من عينة "Aragog"،تلتهمه فى جشع بعدما يأست من ايجاد حشرات بائسة تسقط فى شباكها ..أو بشرًا بائسين..
أراقب دفعةً جديدة من الحروف تخرج من ذلك المولد الذى لا يتوقف عن العمل، عقلى يعمل بلا توقف لاخراج أبنائه فى أفضل صورة..كل كلمة بمثابة طفل جديد له يرى النور للمرة الأولى.. 
أواصل الحديث، ولا أنظر فى أعينهم..لا أدرى فيم يفكرون .. تُرى،كيف تبدو وجوههم الآن وهم يستمعون إلى حديثى المنسق المعنى به..تُرى، هل سيدوى التصفيق بعدما أنتهى من الحديث؟..لا لن يدوى التصفيق..بل ستلتهب الأكف من التصفيق..حتى يتوسلون لى أن أزيل سحر تلك الكلمات حتى لا تتورم أصابعهم أو يفقدوا أيديهم من كثرة التصفيق..
أنتهى من الحديث أخيرًا..يا له من حديث شيق،ويا لها من فتاة رائعة..أرفع عينىّ ببطء لأرى وقع كلماتى على الـ...
الناس؟؟
أين ذهب الناس؟؟
لم يتبق فى الغرفة إلا ذلك الفتى الذى لا يعبأ به أحد،ويصنفونه ضمن قائمة الـnerds..فتى من عينة "نابليون دايناميت"..ويبدو أنه لا يعبأ بالمرة بما قلته للتو.. يتناول حبات العنب فى جوع من على الطاولة كأنه يخشى أن يتنهى فجأة مخزون العالم من العنب.. 
أناديه لينتبه ..ثم أسأله، بحق الجحيم أين ذهب الجميع؟..هل خرج "كتولو" من أعماق المحيط ليعلن عن غضب الكيانات القديمة ويبتلعهم جميعًا؟..أم خرجت وحوش السيكلوب من أوديسة هوميروس لتضعهم فى الأسياخ كالخراف وتستمتع بشيّهم على نار هادئة؟..ربما لم يكن هرقل قويًا بما فيه الكفاية ليتغلب على الهيدرا..فلم تكذب الهيدرا خبرًا..وهرعت إلى هنا لتلتهمهم جميعًا فى قضمة واحدة ، برأس واحد من رؤوسها التى تفوق المائتى رأس؟؟
فلتجبنى يا نابليون .. أخبرنى يا مستر داينامايت؟؟..بحق الجحيم، أجبنى..
يرمقنى شبيه نابليون دايناميت بعيون زجاجية خاوية كعيون الأسماك الميتة على الشواطئ فى روايات "كافكا"..يخبرنى أنه جاء هنا لالتهام العنب..ولا لشىء إلا لالتهام العنب.. يخبرنى أنه رأى فتاة غريبة الأطوار تلقى بحديث على حشد من الناس..فتاة تنظر فى كل ركن من أركان الغرفة..لكنها لا تنظر أبدًا إلى أحد مستمعيها.. ومنذ الجملة الأولى ..رأى الأفواه تنفتح دهشة..والفكوك تسقط مطاوعةً جاذبية الأرض.. ثم رأى الأكف ترتفع ..لا للتصفيق..بل حتى يرفع كل واحد منهم كفه ويضعها فى الهواء جوار رأسه..ويديرها يمينًا ويسارًا..العلامة الشهيرة للجنون..مشيرًا إلى أن تلك فتاة مريضة غريبة الأطوار ،شخص لا يستحق صحبتنا يا سادة..
تتحدث كشخص لا نفهمه..تتصرف كشخص لا نفهمه..إذن فهى شخص لا نفهمه..تعالوا لندعها تنهى حديثها فتصفق لها أشباح الغرفة ..ولنذهب لاحتساء الكابتشينو وتبادل القُبل فى دار السينما المظلمة..ولا تنسوا أن تتركوا معها نابليون الأحمق..شخص جدير بصحبتها..
 فلتخرس الفتاة للأبد..هذا قدرها المحتوم..فلتخيط هاتين الشفتين بإبرة حياكة جيدة الصنع..نعم،دعوها تفعل هذا..
وقد كان هذا -صديقى- هو السبب المثير للاهتمام وراء الـawkward silences..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قُل..