تهبط على أدراج البناية المتهالكة درجتين درجتين، أقدامها تحولت إلى إطارات سيارة من لحم وعظم تتدحرج على الأدراج من فرط السرعة..تشهد عيناها أثناء نزولها على لوحات الحب الساذجه التى ملأت حوائط البناية ، والتى صنعتها موانا حبيبة أوجستين ،والتى تسكن معهما فى نفس البناية، قلوب زرقاء ساذجه ملونة بألوان الباستييل يخترقها سهم..رُسمت على فرخ أبيض،وموزعة هنا هناك بجانب وأمام كل شقة فى البناية..
أنهت دحرجتها على الدرج عند الدرجة الأخيرة، خرجت للشارع وقد بدأت تعدو كالمجاذيب
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، لقد رأيت ، لقد سمعت ، بأم أذنىّ"!
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، لقد رأيت ، لقد سمعت ، بأم أذنىّ"!
هكذا صرخت وأعلنت، كأنها حقيقة لا جدال فيها، كأنها خطاب من رئيس البلدية يخبرهم فيه أن عدوهم الجديد هو الفقر، ولم يعد الجوع، فيصبح الفقر هو العدو الجديد ،وينتهى الجوع ويُنسى ويصبح نسيًا منسيًا.
أخذت تعدو وسط البنايات، الشمس تَلوح فى الأفق وتُلوِّح لها بالوداع، إنه الغروب عزيزتى سأعود بالغد، حظًا موفقًا مع بانتيانو.
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، سيفعلها اوجستين أولًا من أجل حبيبته موانا، ومن ثم سيفعلها بانتيانو، من أجل لا أحد"
"بانتيانو سيُقدم على قتل نفسه اليوم، سيفعلها اوجستين أولًا من أجل حبيبته موانا، ومن ثم سيفعلها بانتيانو، من أجل لا أحد"
هكذا صرخت من جديد فى وجه الشمس ووسط البنايات والطرقات الشبه خاليه..هزت الشمس رأسها فى سخرية وابتعدت هابطة للأسفل خلف الجبل القابع أمام البناية..
بدأ الظلام يحل وما زالت تعدو كالمجاذيب، حتى لاحت لها المدرعات من بعيد، ولمحت بذلة أبيها العسكرية، أخذت تعدو بين المدرعات نحو أبيها الجنرال المثقل بالأوسمة الشرفية، من فرط سرعتها لم تتوقف عن العدو فى اللحظة المناسبة، فاصطدمت به وغاصت رأسها فى بطنه الضخم..
"بحق أضواء الشمال ما الذى..."
لكنها قاطعته حازمةً: "بانتيانو سقدم على قتل نفسه اليوم، لقد رأيت كل شىء، فيما يرى النائم"
ثم استطردت: "سيفعلها اوجستين أولًا من أجل حبيبته موانا، ومن ثم سيفعلها بانتيانو، من أجل لا أحد"
أخذت تلتقط أنفاسها وقد ألقت ما فى جعبتها ، نظرة مطولة متفحصة من أبيها الجنرال، تبعتها صرخته وهو ينادى:
"اجمعوا العتاد، احشدوا المدرعات نحو بناية الطوب الأحمر، لا إفطار لنا اليوم يا صائمى إسكارينا قبل أن ننقذ بانتيانو"
صرخت هى فى استنكار: "إن كل ما أحتاجه هو حشية سرير قطنية، أحتاج إلى حشية قطنية، هذا هو كل ما أحتاجه لإنقاذ بانتيانو"
لكن أبيها الجنرال العالم ببواطن الأمور أزاحها جانبًا ، وسار نحو سيارته العسكرية متبخترًا واختفى بداخلها..
فصارت تعدو مجددًا صارخة بشعار جديد: "اعطونى حشية سرير قطنية..أليس فيكم من يملك حشية سرير قطنية؟!..علام تنامون يا أبناء الشيطان؟!"
بدأ أهل إسكارينا الصائمون فى الإحتشاد لمشاهدة المدرعات تتجه نحو بناية الطوب الأحمر التى امتلأت جدرانها بقلوب موانا الزرقاء
"حشية سرير قطنية هى كل ما أحتاج"
"حشية سرير قطنية هى كل ما أحتاج"
صرخت فى المارة، وصرخت فى معاون أبيها ألكسندر الذى يرتدى فانلة بيضاء على بنطال كاكى على الدوام..
"سنتولى الأمر عودى إلى المنزل"
"سنتولى الأمر عودى إلى المنزل"
هكذا قال ألكسندر فى ثقة غير مهزوزة..
تجاهلته وظلت تجرى فى الطرقات بحثًا عن حشية قطنية
"أوه انظر إلى هذه الساقطة التى تجرى فى كل مكان، انظر إلى أقدامها الحافية وبنطالها القصير، انظر إنها لا ترتدى حمالة صدر أيضًا، أستطيع أن.."
تناهت إلى مسامعها أصوات أفكار المارة الناتجة عن نظرات ثاقبة منهم إليها..سمعت الكثير لكنها لم تسمع عن شخص واحد يدعى إمتلاك حشية سرير قطنية..
تجاهلته وظلت تجرى فى الطرقات بحثًا عن حشية قطنية
"أوه انظر إلى هذه الساقطة التى تجرى فى كل مكان، انظر إلى أقدامها الحافية وبنطالها القصير، انظر إنها لا ترتدى حمالة صدر أيضًا، أستطيع أن.."
تناهت إلى مسامعها أصوات أفكار المارة الناتجة عن نظرات ثاقبة منهم إليها..سمعت الكثير لكنها لم تسمع عن شخص واحد يدعى إمتلاك حشية سرير قطنية..
قررت أن تعود إلى بنايتهم، بناية القلوب الزرقاء لموانا، ترى هل يقف اوجستين وبانتيانو الآن على سور شرفة الدور السابع؟..ترى هل أتت اللحظة؟..ترى هل فاتتها وفاتها الأوان؟
ها هى البناية هناك..وها هو أوجستين وبانتيانو يقفان جنبًا إلى جنب، على سور شرفة الدور السادس، أوه لقد أخطأت فى العد، أو أن رؤياها لم تكن دقيقة جدًا فى الحساب..
ولكن على أى حال ها هو المشهد آتٍ من كابوسها إلى الواقع، على مرأى ومسمع منها.
وقفت متصلبة ترمق الجسدين الواقفين بالأعلى..والمدرعات تحاصر البناية شيئًا فشيئًا..لا تجيد شيئًا إلا الحصار..وماذا بعده؟، كيف من شأن هذا أن ينقذ بانتيانو؟
ظل أوجستين وبانتيانو على هذه الحال وقوفًا لبضعة دقائق، حتى صرخ أوجستين: "من أجل موانا!"
ثم قفز بجسده الثقيل واتخذ وضعًا رأسيًا فى الهواء كسهم بشرى..وسرعان ما تحطم كالدمية الخزفية على أرض الرصيف..
تأهبت هى للجرى مرة أخرى بحثًا عن فرشة قطنية لإنقاذ بانتيانو،فى محاولة يائسة أخيرة..لكن قبل أن تفعل..نظرت من جديد إلى أعلى، لتجد بانتيانو لا زال هناك،لا يظهر أبدًا أن فى نيته القفز فى أى وقت قريب ..يقف متصلبًا، وقد استطاعت من الأسفل أن تلمح شبح إبتسامة على ثغره.
ولكن على أى حال ها هو المشهد آتٍ من كابوسها إلى الواقع، على مرأى ومسمع منها.
وقفت متصلبة ترمق الجسدين الواقفين بالأعلى..والمدرعات تحاصر البناية شيئًا فشيئًا..لا تجيد شيئًا إلا الحصار..وماذا بعده؟، كيف من شأن هذا أن ينقذ بانتيانو؟
ظل أوجستين وبانتيانو على هذه الحال وقوفًا لبضعة دقائق، حتى صرخ أوجستين: "من أجل موانا!"
ثم قفز بجسده الثقيل واتخذ وضعًا رأسيًا فى الهواء كسهم بشرى..وسرعان ما تحطم كالدمية الخزفية على أرض الرصيف..
تأهبت هى للجرى مرة أخرى بحثًا عن فرشة قطنية لإنقاذ بانتيانو،فى محاولة يائسة أخيرة..لكن قبل أن تفعل..نظرت من جديد إلى أعلى، لتجد بانتيانو لا زال هناك،لا يظهر أبدًا أن فى نيته القفز فى أى وقت قريب ..يقف متصلبًا، وقد استطاعت من الأسفل أن تلمح شبح إبتسامة على ثغره.
قتله من أجل موانا
ردحذفأحسنتي