الجمعة، 28 أبريل 2017

زبدة الفول السودانى و ماونت كاميرون وأشياء مسلية أخرى.

قررت أمى أن تترك البيت، أن تأخذ اجازه منا ومن متاعبنا، فرأيتها فى المطبخ -كأى يوم عادى- تعد شيئا ما..أمامها ارغفة خبز فرنسى طويلة تعبئها بشىء ما تارة، وتارة تدهنها بشىء ما..لم يكن قد تناهى لمعرفتى بعد قرارها بترك المنزل..رحت اراقبها فى اهتمام، حتى زفرت ثم أعلنت انها قد انتهت، كيف يكون الانتهاء بالنسبة لها؟ لا أدرى لكنها توقفت عن صنع الشطائر وغادرت المطبخ، فدخلت انا لأجد طاولة المطبخ وعليها كوم كبير من شطائر زبدة الفول السودانى التى افضلها، بعضها محشو بالموز، وبعضها الآخر محشو بجيلى الفراولة، وبعضها بدون اضافات..وعلى طاولة أخرى تراكمت اكوام من كعك المافينز، بعضه بالشيكولاته والبعض الآخر بالزبيب والبعض بالفراولة والبعض سادة..تأملت كل هذا فى حيره..حينها شعرت بظل يسد باب المطبخ، نظرت فهى أمى، تخبرني -بدون أن تنظر فى عينى- انها ستغادر المنزل، وقد أعدت لنا مئونة تكفينا لبعض الوقت..لم أجد شيئا لأتفوه به ،فقط رحت أنظر للطاولتين فى صمت مرتبك. 
تغيرت المعالم وعرفت اننى ادخل فى دوامات حلم آخر، ولكن ولدهشتى ظلت آثار الحلم الأول حاضرة، لا زال فى ذاكرتى أمر رحيل أمى عن المنزل..
فى اللحظة التالية أجد نفسى فى مكان ذى طبيعة جبلية،بيئة وعره وصخرية..أنظر حولى فأجد اننى لسه وحدى..يقف حولى رجل وامرأتين وكلهم يبدون فى منتصف أعمارهم البشرية..كلهم ينظرون إلى أسفل بوجوه مذعوره..أتردد قليلا، ثم أنظر لأسفل..فى البداية شعرت بلفح من الهواء الساخن يضرب وجهى بقسوة..ثم استقبل دماغى إشارات الألياف البصرية فى عينى ،فرأيت اللافا..تبدو كأمواج ثائرة تتخبط فى المحيط من تحتى..وأرى خيط الدخان الأسود المنذر بالويل..هذا بركان نشط جدا ان أردت رأيى..ثم عرفت تلقائيا أننا نقف على فوهة بركان "ماونت كاميرون"..والذى كنت قد قرأت عنه فى رواية قبل النوم بساعات، فلم أندهش كثيرا حين رأيته وقد تسلل إلى عوالم عقلى الباطن..
أسمع الرجل بجانبى يقول موجها الكلام إلينا: نحن الآن نقف على فوهة ماونت كاميرون..نقوم بهذه التضحية من أجل علم الجيلوجيا..جئنا نحاول أن نفهم، لماذا تحولت الصخور حول الفوهة إلى اللون الأخضر!
ولأول مره ألاحظ إننى اقف على كتلة خضراء اللون تبدو ملساء كجلد ثعبان..البركان محاط بالكتل الخضراء العالية..تحيط بالفوهة كحزام طويل حول خصر جبلى ضخم..
ادوس بقدمى على المادة الخضراء الغريبة فأشعر بلدونتها تحت قدمى..اذن فها نحن نقف على فوهة ماونت كاميرون لا يفصلنا عن اللافا تحتنا إلا مادة لدنة زلقة نقف عليها..نحن كمن نقف على هاوية..مثلما يحدث فى توم وجيرى حين يكتشف توم انه كان يجرى بلا أرض تحته ،حين يشير له جيرى -منبها- بأصبعه لأسفل ،وحين ينظر توم للأسفل ويرى الهاوية ثم يسقط..الفرق هنا أننا تقنيا نقف على الهاوية وننظر للأسفل ،لكننا لا نسقط..هذا موت بطىء مؤلم إن أردت رأيى..
هنا تبدأ المادة الخضراء اللدنة فى اظهار لدونتها..من تحتنا نشعر بالارض تمور بنا..نشعر بالمادة وهى تذوب وتنخفض وتنسحق للأسفل تحت اقدامنا..ونحن نغوص فيها..نتشبث بالصخور ونحاول تحرير أقدامنا من المادة التى تحورت من لدونة إلى لزوجة..ثم لدونة مره اخرى..فقد كانت تتحول للزوجة حتى تسمح لأقدامنا بالدخول والنفاذ خلالها، ومن ثم تعود للدونة لتطبق على اقدامنا بداخلها..وكأن لها عقلا تخطط به للنيل منا..
سمعت صرخة امراة من المرأتين اللتين كانتا معنا..كانت قليلة الحظ فابتلعتها المادة الخضراء تماما وغابت بداخلها..ثم غاصت المادة الخضراء وانسحقت فى اللافا..
لاكون مختصرة فقد قاومنا وتحررنا واستطعنا الوقوف على مرتفع اخضر كان ما زال محتفظا بلدونته..وقد كان لدنا بدرجة غير مسبوقة سمحت لنا بالقفز عليه لمسافات مرتفعه الى أعلى ، مثل الترامبولين، فاغتنمنا الفرصة وقفزنا إلى اعلى مسافة استطعناها حتى حملتنا القفزه إلى أرض صخرية صماء..الصلابة المطمئنة من جديد،لا مزيد من اللدونة الخادعة..
أخذنا نعدو كمن يطارده الشيطان..حتى وصلنا إلى الحضارة من جديد..أرض مأهولة..أنظر حولى. .هذه هى معالم القاهرة!!
القاهرة؟  تقع قريبا من سفح ماونت كاميرون؟ ..لا أستطيع أن أتهم عقلى الباطن بالدقة الجغرافية ها هنا، لكن نعم، يبدو أن ماونت كاميرون قد شد الرحال من بلاده وانتقل إلى القاهرة يا سادة.
أستمر فى الجرى حتى أجد نفسى فى الجيزة بعد دقائق ..أستمر فى الجرى وانا أفكر فى الشطائر إلى أعدتها لنا أمى ..شطائر زبدة الفول السودانى المفضلة لدى..والكعك..سيتفحم كل ذلك حين يثور البركان..كم أن هذا مؤسف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قُل..